الحمد لله
أولا :
هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم
تجمع معاني الخوف والرجاء :
الخوف من الله تعالى
واللجوء إليه سبحانه ، إذ لا منجا منه إلا إليه عز وجل ، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه ، وأنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة .
وفي " مدارج السالكين " (1/469-481) للعلامة ابن القيم
كلام مطول مفيد عن منزلة " الفرار " من منازل السائرين .
يقول الله تعالى : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الذاريات/50.
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به ، واتباع أمره ، والعمل بطاعته
( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ )
يقول : إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذين قصّ عليكم قصصهم ، والذي هو مذيقهم في الآخرة . وقوله : ( مُبِينٌ ) يقول : يبين لكم نذارته " انتهى.
" جامع البيان " (22/440)
وقال القرطبي رحمه الله :
" لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
قل لهم يا محمد ، أي قل لقومك :
( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )
أي : فروا من معاصيه إلى طاعته
وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم
وعنه : فروا منه إليه واعملوا بطاعته
وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان :
( ففروا إلى الله ) اخرجوا إلى مكة
وقال الحسين ابن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله
فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه .
وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان
إلى طاعة الرحمن .
وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل
ففروا إلى الله يمنعكم منه
وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم
ومن الكفر إلى الشكر
وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم
وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله
ولا تعتمدوا على حركاتكم
وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله .
( إني لكم منه نذير مبين )
أي : أنذركم عقابه على الكفر والمعصية
" انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (17/53-54)
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" لما دعا العباد للنظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه
أمر بما هو المقصود من ذلك
وهو الفرار إليه أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا
إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم
ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة
و من الغفلة إلى ذكر الله
فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله
وقد زال عنه المرهوب
وحصل له نهاية المراد والمطلوب .
وسمى الله الرجوع إليه فرارًا :
لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره
وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسعادة والفوز
فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره ،
وكل من خفت منه فررت منه ، إلا الله تعالى ؛ فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه
( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ )
أي : منذر لكم من عذاب الله
ومخوف بَيِّنُ النذارة " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/811)
ثانيا :
أما كلمة ( قل ) فقد وردت في آيات كثيرة
في القرآن الكريم
عددها نحو العشرة وثلاثمائة آية
وذلك في سياقات متعددة ، ومواقف كثيرة ، ومعان عديدة ، غير أن ذلك لا يعني أن كل أمر يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغه للناس لا بد وأن يبدأ بكلمة ( قل )
فللقرآن أسلوبه المعروف ، ولغة العرب تسع ألوانا عديدة من البيان البليغ ، والتفنن في الأساليب هو من وجوه جمالها وتميزها .
وحول هذه الكلمة المذكورة بخصوصها ، يقول الدكتور فضل حسن عباس :
" أما كلمة ( قل ) فالمتدبر لآي القرآن وأسلوبه يجد أنها تأتي حينما تدعو الحاجة إليها ، وذلك حينما يكون الأسلوب أسلوبا تلقينيا ، سواء كان هذا التلقين تعليميا أم ردا على شبهات وذلك كما في السور الأخيرة الثلاث
الإخلاص والمعوذتين
وكما في الآيات التالية :
( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) الأنعام/14-16.
( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) الأنعام/46،
( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/161-162
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة لا يرتاب في أنها جاءت في سياق خاص تلقينا وتعليما " انتهى.
"قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية " (ص/57)
ومن المهم أن نعلم أن التماس مثل هذه الحكم :
إنما هو أمر اجتهادي ؛
قد يأتي باحث آخر بحكمة أخرى مع هذه
أو هي أرجح وأولى ، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى تتبع إلى أساليب القرآن في التعبير ، والسياقات المختلفة التي وردت فيها الكلمة ، لالتماس محلها من البلاغة ، وتعرف الحكمة في ورودها .
وفوق كل ذي علم عليم
والله أعلم .
أولا :
هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم
تجمع معاني الخوف والرجاء :
الخوف من الله تعالى
واللجوء إليه سبحانه ، إذ لا منجا منه إلا إليه عز وجل ، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه ، وأنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة .
وفي " مدارج السالكين " (1/469-481) للعلامة ابن القيم
كلام مطول مفيد عن منزلة " الفرار " من منازل السائرين .
يقول الله تعالى : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الذاريات/50.
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به ، واتباع أمره ، والعمل بطاعته
( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ )
يقول : إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذين قصّ عليكم قصصهم ، والذي هو مذيقهم في الآخرة . وقوله : ( مُبِينٌ ) يقول : يبين لكم نذارته " انتهى.
" جامع البيان " (22/440)
وقال القرطبي رحمه الله :
" لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
قل لهم يا محمد ، أي قل لقومك :
( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )
أي : فروا من معاصيه إلى طاعته
وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم
وعنه : فروا منه إليه واعملوا بطاعته
وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان :
( ففروا إلى الله ) اخرجوا إلى مكة
وقال الحسين ابن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله
فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه .
وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان
إلى طاعة الرحمن .
وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل
ففروا إلى الله يمنعكم منه
وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم
ومن الكفر إلى الشكر
وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم
وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله
ولا تعتمدوا على حركاتكم
وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله .
( إني لكم منه نذير مبين )
أي : أنذركم عقابه على الكفر والمعصية
" انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (17/53-54)
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" لما دعا العباد للنظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه
أمر بما هو المقصود من ذلك
وهو الفرار إليه أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا
إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم
ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة
و من الغفلة إلى ذكر الله
فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله
وقد زال عنه المرهوب
وحصل له نهاية المراد والمطلوب .
وسمى الله الرجوع إليه فرارًا :
لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره
وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسعادة والفوز
فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره ،
وكل من خفت منه فررت منه ، إلا الله تعالى ؛ فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه
( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ )
أي : منذر لكم من عذاب الله
ومخوف بَيِّنُ النذارة " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/811)
ثانيا :
أما كلمة ( قل ) فقد وردت في آيات كثيرة
في القرآن الكريم
عددها نحو العشرة وثلاثمائة آية
وذلك في سياقات متعددة ، ومواقف كثيرة ، ومعان عديدة ، غير أن ذلك لا يعني أن كل أمر يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغه للناس لا بد وأن يبدأ بكلمة ( قل )
فللقرآن أسلوبه المعروف ، ولغة العرب تسع ألوانا عديدة من البيان البليغ ، والتفنن في الأساليب هو من وجوه جمالها وتميزها .
وحول هذه الكلمة المذكورة بخصوصها ، يقول الدكتور فضل حسن عباس :
" أما كلمة ( قل ) فالمتدبر لآي القرآن وأسلوبه يجد أنها تأتي حينما تدعو الحاجة إليها ، وذلك حينما يكون الأسلوب أسلوبا تلقينيا ، سواء كان هذا التلقين تعليميا أم ردا على شبهات وذلك كما في السور الأخيرة الثلاث
الإخلاص والمعوذتين
وكما في الآيات التالية :
( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) الأنعام/14-16.
( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) الأنعام/46،
( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/161-162
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة لا يرتاب في أنها جاءت في سياق خاص تلقينا وتعليما " انتهى.
"قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية " (ص/57)
ومن المهم أن نعلم أن التماس مثل هذه الحكم :
إنما هو أمر اجتهادي ؛
قد يأتي باحث آخر بحكمة أخرى مع هذه
أو هي أرجح وأولى ، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى تتبع إلى أساليب القرآن في التعبير ، والسياقات المختلفة التي وردت فيها الكلمة ، لالتماس محلها من البلاغة ، وتعرف الحكمة في ورودها .
وفوق كل ذي علم عليم
والله أعلم .